توظيف تقنية التوأم الرقمي في مبادرة لزيادة أمان واستدامة المدن الكندية، تعمل حكومة كندا على توظيف تقنية التوأم الرقمي لتحسين عمليات التخطيط الحضري، فباشرتْ برسم خريطة ثلاثية الأبعاد لمدنها بالاعتماد على صور جغرافية عالية الدقة وحلول الذكاء الاصطناعي.
أخذ مفهوم التوأم الرقمي بالتوسع منذ بضعة سنوات وبرز دوره كوسيلة تخطيطية لمواجهة التحديات الحضرية المعاصرة على وجه الخصوص. يعرّف التوأم الرقمي على أنه تقنية لإنشاء نُسخٍ أو تمثيلاتٍ افتراضيةٍ لما يجري في العالم الحقيقيّ، والبناءِ عليها في الدراسة والتخطيط الحَضَريين.
ومن هذا المنطلق، تتجه الحكومة الكندية إلى إنشاء توائم رقمية خاصة بها، حيث خصّصت المؤسسة الكندية للتنمية المستدامة 8 ملايين دولار كنديّ لتمويل مشروعٍ أطلقته بالتعاون مع شركة ناشئة في تورونتو لاستخدام الذكاء الاصطناعيّ والبيانات الجغرافية المكانية لوضع خرائط ثلاثية الأبعاد لأفضل 100 مدينة في البلاد.
يهدف المشروع الكندي الجديد إلى التعرف على التحديات التقنية والاجتماعية المعرقلة لإنشاء توائم رقمية للمدن الكندية ومن ثمة إيجاد الحلول لها. فتحقيق المقاصد الأساسية لتكنولوجيا “التوأم الرقمي” يتطلب بيانات جغرافية مكانية دقيقةً ودائمةَ التحديث، وإلّا فإن الدقة المتدنية ستسفر عن تعطيل العملية، وهذا بدوره سيقيّد الميزانية والإطار الزمني للتخطيط والتنفيذ، ليعرِّض المشروع برمته لخطر تقادم الخرائط الرقمية. ناهيك عن أنّ العمل اليدويّ لضبط الخرائط والبيانات المرتبطة بها يستغرق وقتاً طويلاً، ويعجز عن تغطية مساحاتٍ واسعة، وسيسبّب على الأرجح في تباين الخرائط والمخرجات، ما يعوق الهدف الأساسي للعملية، ألا وهو تحسين حياة المجتمعات التي يعجزُ بعضها عن اللحاق بركب الاقتصاد الرقميّ لأنّه يفتقر لخدمات الاتصالات التي تتيحُ له ذلك. يظهر ذلك جلياً في المجتمعات الريفية وبعض المناطق الشمالية من البلاد.
ولمقاربة هذه التحديات، يتضمن مشروع التوائم الرقمية الجديد مجموعة كبيرة من البيانات المكانية التي تمّ جمعُها بالاعتماد على “نظام المعلومات الجغرافية” (GIS)، والتي يمكن مشاركتُها وتحليلُها والاستفادة منها عند إقرانها بالبيانات التقليدية. تأتي هذه البيانات من مصادر مختلفةٍ وفقَ صِيَغٍ وتنسيقاتٍ متنوِّعة، لتشمل معلوماتٍ شاملةً من المعطيات الديمغرافيةِ والاجتماعية وحتى بيانات الطقس والهاتف النقّال، إلى جانب الصور المرسومة وتلك المُلتقطة عبر الأقمار الصناعية.
في السابق، اقتصرت تطبيقات البيانات الجغرافية المكانية على إفادة مجال العلوم البيئية ومتابعة الحالات الوبائية ومثيلاتها، لكنّها اليومَ توسّعت لتشملَ مجالاتٍ كالدفاع والعلوم الاجتماعية وحتى الاستخبارات وإدارة الموارد الطبيعية.
سيمرّ المشروع بكلِّ مدينةٍ كندية، ليأخذ صوراً جوية دقيقة للأبنية والطرق والجسور والسكك الحديدية والأرصفة ومواقف السيارات والملاعب والمدارس، إلى جانب المناطق الطبيعية بغاباتها ومراعيها ومسطّحاتها المائية. ولكن لتكتمل الخرائط يحتاج التقنيون إلى إضافة توضيحات وصفية للعناصر الظاهرة في الخريطة، الأمر الذي يستغرق الكثير من الوقت والجهد. لذا يقوم المشروع بتوظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي لتعمل على استخراج وعنونة العناصر بما في ذلك المباني والممرات ومواقف السيارات والأرصفة والسكك الحديدية والطرق والأرصفة.
لكنّ الأمر ليس بهذه البساطة، فالاعتمادُ على الذكاء الاصطناعيّ لاتخاذ القرار يتطلب شروطاً دقيقة، لعلّ أولَها توفر البيانات. فمستوى أداء الذكاء الاصطناعي يتوقف على دقة البيانات التي تغذّيه، وهنا يبرز تحدٍّ رئيسيّ في جمع الأبعاد التفصيلية للطول والعمق والارتفاع لمكونات الخريطة كالمباني على اختلافها مثلاً. يزداد هذا التحدي صعوبةً في غياب معايير موحّدة لتنسيق البيانات التي يقدِّمها مورّدي الصور الجغرافية الملتقطة جوياً، وقد بدأ روّاد المجال مؤخراً بتوحيد الجهود لتبنّي قواعد بياناتٍ موحّدة مفتوحة المصدر، بهدف إتاحة مصادر سهلة الاستخدام يمكن لجميع العملاء الاستفادةُ منها. عندئذٍ، يمكن لهذه التقنيات توليد صورٍ وخرائطَ عالية الدقة، وبعد دمجها بكفاءة نظم الذكاء الاصطناعيّ، ستحقق نتائج أسرع وأقلّ كلفة.
وقد اتجه جزء من المشروع إلى معاونة الحكومة الكندية على تحقيق خطتها للوصول إلى مستويات صفرية من انبعاثات الغازات الدفيئة في العام 2050. لذا، سيقوم الفريق بجرد ألواح الطاقة الشمسية على الأسطح وقياس أثرها وتقييم توزع الأشجار في المدن وما توفره من ظل للسكان ورسم خرائط لمسارات الفيضانات.
بالإضافة إلى ذلك، خصّصت الحكومة تمويلاً إضافياً يقارب 3.5 مليون دولار كنديّ لاستثمار هذه الخرائط في نشر الإنترنت عالي السرعة في المناطق الريفية النائية ومواطن السكان الأصليين، وذلك عبر استخدام البيانات لتحديد المناطق التي تحتاج إلى خدمات إنترنت النطاق العريض، وتقييم الفجوات في مستويات وصول السكان إلى الخدمات الرقمية، وتسريع إنشاء البنى التحتية الخاصة بها. حيث بيّنت التقارير السنوية للهيئة الكندية لتسجيل الإنترنت تفاوتاً مهولاً بين المجتمعات الريفية والحَضَرية في الوصول إلى الإنترنت، رغم ما صاحبَ جائحة كوفيد-19 من زيادةٍ على الطلب في المناطق الريفية.
وقد توسّعت الجهود في بعض المقاطعات لتشملَ جوانب تنمويةً أخرى، كما في أونتاريو، حيث توظِّف حكومتها الخرائط الدقيقة لاختبار المركبات ذاتية القيادة وتسريع نشرها، وتسعى من خلال هذه المبادرة إلى ترسيخ مكانتها الريادية في أمريكا الشمالية في مجال تكنولوجيا النقل وأنظمة البنى التحتية، عبر دعم البحث وتطوير المواهب، واحتضان الابتكارات التقنية، وتقديم المساعدة الفنية والتقنية، وتوفير بيئة تنافسية صحية لشركات تكنولوجيا النقل التي تتسابق لتصميم سيارات ذاتية القيادة قادرة على تفادي العقبات في الشوارع المزدحمة وتجنب حوادث الطرق السريعة حتى في الأحوال الجوية السيئة. ولأنّ كلّ هذه عوامل أساسية في تصميم هذه السيارات، فقد رأى روّاد الصناعة أنّ الحلّ الأمثل سيكون بربطِ هذه السيارات ببيانات جغرافية مكانية عالية الدقة لكلّ شارع على حدة، وإعداد خرائط شاملة يمكن للسيارات الوصول إليها لتتكامل مع أجهزة الاستشعار والخوارزميات الذكية لتحديد المسار والالتزام بقوانين المرور.
علاوةً على ذلك، ستتيح هذه الخرائط سدّ الفجوة الرقمية وزيادة أمان حركة المرور واكتساب مكانة رائدة في عالم أنظمة النقل المستقبلية.
عبر إنشاء توائم رقمية موحّدة للمدن، تأمل السلطات الكندية بناءَ رؤى مفيدة لتزويد السكان بتوجيهات أكثر دقة وفاعلية، ومساعدة مسؤولي البلديات على فهمِ مدنهم لإدارتها بكفاءة أكبر، كما ستدعم هذه الخرائط الاقتصاد الرقميّ ومبادرات الاستدامة وهدفّ الحكومة الكندية بالوصول إلى تحقيق أهدافها المناخية الطموحة بحلول منتصف القرن.
المراجع:
https://betakit.com/ecopia-ai-announces-8-million-sdtc-partnership-to-create-3d-vector-maps-of-canadian-cities/
https://ecopia-ai.medium.com/creating-municipal-digital-twins-with-hd-vector-maps-1aad2a80dd49
https://gis.usc.edu/blog/self-driving-cars-and-the-role-of-gis-in-future-transportation/