تتعرض الولايات المتحدة الأمريكية سنوياً إلى كوارث طبيعية بلغت نِسَباً غير مسبوقةٍ بسبب تغير المناخ، حيث انتشرت الحرائق المدمرة في غابات كاليفورنيا خلال العام 2019 وكان لها آثار بيئية واقتصادية واجتماعية لا يستهان بها. ولهذا السبب شكّلت الحكومة الأمريكية فريقاً تنفيذياً تابعاً للبيت الأبيض، كانت مهمته تطوير وسائل أفضل لحماية البلاد وبُناها التحتية الرئيسية مثل شبكة الطاقة.
وفي “المختبر الوطنيّ” لمنطقة شمال غرب المحيط الهادئ PNNL))، وبدعم من عدّة وزارات، استخدم الباحثون الذكاء الاصطناعيّ والحوسبة السحابية لتحسين تقنيات تحليل الصور، وذلك بهدف توظيف تقنيات التنبؤ بالكوارث وتسريع الاستجابة لها.
وبصفة عامة تتعرض أماكن كثيرة من العالم لأخطار الكوارث الطبيعية، التي تتفاوتُ نسبُها وشدَّتُها من مكانٍ لآخر، وهو ما يعود بآثار إنسانيةٍ واقتصاديةٍ وبيئيةٍ مدمِّرة. ولهذا السبب، تعمل حكومات كثيرةٌ على تعزيز قدراتها التقنية واستخدام التكنولوجيا للتنبؤ بهذه الكوارث والاستجابة لها والحدّ من آثارها.
وخلال السنوات الأخيرة، شهدت أمريكا ارتفاعاً في تواتر الكوارث كحرائق الغابات والفيضانات وغيرها. ففي العام 2020 فقط، التهمت الحرائق أكثرَ من 10 ملايين هكتارٍ من البلاد، أي ثلاثة أضعاف الحرائق التي مرّت بها بين العامَين 1990 و2000 مجتمعة. وعلاوةً على الخسائر التي أحدثتها تلك الكوارث في الأرواح والأشجار وتدمير النظم البيئية، فقد تسببت هذه الحرائق في خسائر مالية كبيرة للحكومة والمجتمعات المحلية والكيانات المعنية بالاستجابة لها، إذ تجاوزت خسائرها 170 مليار دولار في العام 2020، دون حساب خسائر الكوارث الطبيعية الأخرى كالأعاصير والزلازل. وهذا عوضاً عن تعطيل المرافق الخدمية الحيوية كمحطات الكهرباء، والذي قد ينتج عنه أضراراً في المرافق الأخرى كانقطاع التيار الكهربائي لأيام عدّة، مما يسبب توقفاً شاملاً في الحياة العامة.
ودفع كل هذا الحكومة الأمريكية على تأسيس فريقٍ يجمع عدداً من الخبراء الحكوميين والصناعيين والأكاديميين لتطوير وسائل مبتكرة لاحتواء آثار الكوارث الطبيعية من خلال توظيف التقنيات التنبؤية. حيث حظيَ المشروع بدعم عدة هيئات حكومية، وهي وزارة الأمن الداخليّ ووزارة الدفاع عبر مركز الذكاء الاصطناعيّ الخاص بها، ومكتب الأمن السيبرانيّ، ومكتب أمن الطاقة، ومكتب الاستجابة للطوارئ، وكذلك مكتب الذكاء الاصطناعيّ والتكنولوجيا التابع لوزارة الطاقة. وكانت ثمرة هذا التعاون هو إطلاق تعاونٍ مع “المختبر الوطنيّ” لمنطقة شمال غرب المحيط الهادئ PNNL))، حيث يعمل الباحثون على توسيع نطاق عمليات نظام التحليل والاستجابة السريعة للكوارث RADR)) عبر تطوير تقنيات تحليل الصور وتحديد نماذج الاستجابة الأنسب لاحتواء الأضرار التي قد تلحق بالبنى التحتية الرئيسية للطاقة.
وإن عمل فريق المشروع يقوم على تقييم أضرار الكوارث الطبيعية كحرائق الغابات والفيضانات والأعاصير والعواصف والزلازل وغيرها، والتنبؤ بكلِّ هذه العوامل، وذلك بتوظيف عدة تقنيات كصور الأقمار الصناعية والطائرات بدون طيار، إلى جانب الذكاء الاصطناعيّ والحوسبة السحابية.
وإن هذا المشروع قد بدأ منذ بضعة سنوات بإنشاء خوارزميةٍ تقوم بتحليل عدة أنواعٍ من صور الأقمار الصناعية وثم تقصّي أيّ تغيُّراتٍ تطرأ على الأرض بعد الكارثة، وذلك لإجراء تقييمٍ سريعٍ لأضرارها المادية، قبل دخول الفرق الميدانية للقيام بعمليات المساعدة والإصلاح. وبهدف جعل عملية تقييم الأضرار أسرع، فقد أدرج الفريق بعدها مصادرَ جديدةً للصور، مثل الأقمار الصناعية الحكومية المحلية والعالمية والتي تُعد مصادر مفتوحةً للبيانات، وتلك التجارية المشمولة ضمن “الميثاق الدولي للكوارث” IDC))، وحتى ما ينشره العامة على منصات التواصل الاجتماعيّ، ففي حين قد تظهر الصور الجوية تلفاً في محطات توليد الطاقة أو خطوط نقلها مثلاً، يمكن للصور الأرضية تأكيدُ ذلك أو نفيُه. وبمجرد وصول الصور، يستطيع نظام التحليل والاستجابة السريعة للكوارث تحليلَها في غضون 10 دقائق تقريباً.
وأما في حالات الحرائق، يقوم الفريق بجمع وتحليل الصور مع بيانات الطقس للتنبؤ بالنتائج المحتملة لحجم ومسار الحريق، إذ يمكن للرياح والغطاء النباتيّ وأيّ مادةٍ تذكي النار التأثيرُ في حجم الحريق واتجاهه.
وفي بعض الأحيان، قد يشكِّل دخان الحرائق أو تكاثف السحب عائقاً يمنع الرؤية وتحليل الصور. ولاجتياز هذا التحدّي، عزّز الفريق نظام التحليل والاستجابة السريعة للكوارث بميزة الأشعة تحت الحمراء، التي توفّر رؤيةً أوضحَ للمساحات الطبيعية وتمكّن المعنيين من اختيار أكثر المواقع الآمنة لتمركز فرق الإغاثة.
وبالنظر إلى ما تحتاجه عمليات تنسيق الاستجابة للكوارث من موارد محليةٍ وإقليميةٍ ووطنية موَزَّعةٍ ومتفرِّقة، يبرز تحدي نقل البيانات بالسرعة الكافية والصيغة التي يمكن الوصولُ إليها وتفسيرُها دون تعقيدات، لا سيما في البيئات التي تكون فيها إمكانية الاتصال ضعيفة أو محدودة. ولهذا السبب، وفّر نظام الحوسبة السحابية شبكةً مباشِرةً للحصول على الصور المتاحة ومعالجة التحليلات ومشاركة البيانات عبر المتصفِّحات أو الهاتف المحمول بشكلٍ يسهل على المعنيين متابعته وفهمُه.
وإلى جانب فائدته في اختصار الفترة الزمنية اللازمة لتحليل بيانات الكوارث وسرعة الاستجابة لها، فإن استخدام الذكاء الاصطناعيّ يمكنه الحدّ من تأثير حرائق الغابات وحمايةُ البنية التحتية الخاصة بالطاقة، والأهمّ من ذلك إنقاذ الأرواح، وبالتالي، يمكن أن يقوم بإحداث فرقٍ حقيقيّ في الظروف المناخية القاسية، مثل موسم حرائق الغابات. حيث تقدِّم الخوارزميات التحليلية تقييماً سريعاً لمرحلة ما بعد الكارثة، كما أنّ استخدام المصادر المتعددة للبيانات يختصر وقت الاستجابة من أيامٍ إلى ساعاتٍ معدودة ويجعل التقييمات أكثر تكاملاً ودقةً وملاءَمةً للمتغيِّرات. وبناء على ذلك، فإن نظام التحليل والاستجابة السريعة للكوارث يساهم في تقديم رؤية دقيقة عن حركة أية كارثةٍ طبيعية، وتمكين المعنيين بالاستجابة للكوارث وذلك عبر اتخاذ التدابير المُثلى لاحتواء الضرر، وإدارة الموارد بشكلٍ أفضل.